أرسلت (س.خ) إلى افتح قلبك تقول: أنا فتاة عمرى 25 سنة، على قدر معقول من الجمال، ومستواى المادى والاجتماعى مرتفع إلى حد ما، تعرفت على زميل لى فى بداية دراستى الجامعية، وبدأنا كأصدقاء، تطور الأمر سريعا إلى إعجاب.
ثم صرح لى بحبه بعد فترة قليلة، اتفقنا على الزواج بعد الدراسة، ولأنه فى مثل سنى فكان يجب علينا الانتظار حتى تنتهى سنين الدراسة، وكالمعتاد فى مثل هذه الحالات كنت أرفض أى عريس يتقدم إلى خطبتى فى هذه الفترة، بحجة أنى لن أرتبط قبل إنهاء دراستى، كنت سعيدة بانتظاره فعلا لأنى وجدت فيه الإنسان الذى يكملنى، والذى أشعر معه بأنه يفهمنى بسهولة وكأنه يقرأ أفكارى.
كنت أعلم أنى سأنتظر طويلا نظرا لظروفه المادية المتواضعة، لكنى كنت أحلم بأن نبدأ معا تحت أى ظرف حتى ولو بالقليل بمجرد أن نتخرج ويحصل هو على عمل، لم يعلم أهلى عنه شيئا طوال فترة الدراسة.
حتى تقدم لى عريس يعرف بالحكاية كلها، فلما رفضته أخبر أهلى بالقصة كاملة، فاضطررت إلى شرح الأمر لهم والاعتراف بكل شىء، وعندما علم أهلى بظروفه حدث بيننا الكثير من المشاكل، ووعدتهم أنى سأقطع علاقتى به، الشىء الذى لم يحدث بالطبع، فأنا كنت أريده هو وليس شخصا آخر.
مرت الأيام وتخرجنا وبدأ كلانا فى العمل، وحان الوقت لأن يتقدم لخطبتى، كان مرتبه ضعيفا، وبدون إمكانيات مادية تقريبا، لكنى كنت فى غاية السعادة أنه أخيرا سيأتى الوقت الذى سنصبح فيه مرتبطين رسميا، ولن أكون مضطرة للكذب على أهلى بعد الآن.
قال لى إن شقة والدته كانت شقتين من الأساس، وأنه سيفصلهما من جديد لنتزوج فى إحداهن، وبذلك ستكون توفرت أكبر عقبه من عقبات الزواج، ففرحت وطلبت من والدى أن يقابله ويتساهل معه، وبالفعل قابله والدى.
وذهبنا جميعا لرؤية الشقة، وكانت فى الحقيقة صدمة كبيرة لأهلى ولى أنا شخصيا، فالشقة صغيرة جدا، وفى منطقة شعبية جدا أشبه بالقرية، كما أنه اشترط أن يبقى بابا مفتوحا بين شقتنا وشقة والدته، حيث إن والده متوفى وهو يعتبر رجل البيت الذى لا غنى عنه بالنسبه لأمه وأخته الصغرى التى لم تتزوج بعد.
لم أستطع القبول بهذا الوضع، وبقى الحال متوقفا لمدة عام، إلى أن كلمنى فى يوم وقال لى إنه وجد حلا، سيشترى لى شقة صغيرة فى مشاريع إسكان الشباب، فتهللت أساريرى من جديد، وذهبنا لرؤية الشقة، وكما توقعت كانت أيضا صغيرة جدا، ومتواضعة جدا بالنسبة لما اعتدت عليه من شقق وبيوت، لكنى وافقت هذه المرة.
وصممت على موقفى حتى سلم والداى ووافقا على الخطوبة، واتخطبنا، وكنت سعيدة به على الرغم من بساطة الشبكة، وتواضع الإمكانيات، وقال إنه لن يستطيع الزواج قبل سنة، قلت لنفسى لا يهم، المهم أنى مع من أحب ومن اخترت.
ثم ظهر فى الأفق عملا جديدا له، أكثر عائدا لكنه فى محافظة أخرى، فوافق هو على الرغم من عدم تفضيلى لذلك، ثم جاء بعدها بفترة قليلة ليواجهنى بخبر آخر جديد وثقيل أيضا، وهو أنه قرر أننا يجب أن نتزوج مع أمه فى نفس الشقة، لأنه مع ظروف عمله الجديد سيسافر للعمل 3 أسابيع ويأتى ليستقر بيننا لمدة أسبوع واحد، وأنه لن يتمكن من متابعة ورعاية أمه وأخته فى هذه الحالة إلا إذا كنا كلنا معا فى نفس البيت، وعدنا إلى نقطة الصفر من جدبد!!!!.
طلبت منه أن يترك هذا العمل وأن يبحث عن غيره فى محافظتنا، لكنه أصر، حاولت تقبل الأمر، لكنى فعلا أشعر بانقباض شديد كلما فكرت فى فكرة أنى سأعيش فى بيت كهذا، ومع والدته وأخته أيضا، أى أنى حتى لن يكون لى أى خصوصية داخل هذا المكان الذى أرفضه بشدة، تعقدت الأمور، وحدثت مشاكل كثيرة انتهت بأن تم فسخ الخطبة بعد 7 سنوات من الحب والارتباط.
أنا أحبه ومتأكدة من أنه يحبنى، لكنى لم ألغى عقلى وأفكر بواقعية، وأشعر أنى أبدا لن أشعر بأى راحة أو سعادة فى المستقبل بهذا الوضع، بينما هو يتصف بالخيالية والرومانسية أكثر منى، ويتخيل أن الأمور ستسير على ما يرام وأن كل شىء سيحل من تلقاء نفسه.. هكذا ببساطة.
هناك محاولات للعودة بيننا، لكن بشرطه الذى لم يتغير وهو السكن مع والدته، وأنا أحاول الضغط على نفسى وإقناعها بذلك، ولكنها حقا تأبى، ماذا أفعل يا دكتوره؟، أقسم لك أنى أحبه، ولم أستطع نسيانه أو الاستغناء عنه، هل أضحى بمن أحب من أجل العقل، أم أضحى باستقلالى وراحتى وسعادتى من أجل من أحب؟.. رجاء ساعدينى.
إلى (س) أقول:
من الواضح أن هناك فرقا ملحوظا فى المستوى المادى والاجتماعى بينك وبين زميلك هذا، وأنا أرى أنه هنا تكمن المشكلة الحقيقية، وليست فى أنك ستسكنين مع والدته أو لا، قطعا موضوع السكن المشترك هذا مشكلة كبيرة ولا يستهان بها، لكن على حسب روايتك لن تكون هى المشكلة الأولى والأخيرة التى ستواجهينها مع هذا الشخص، فالظروف الاقتصادية ستفرض عليكى الكثير من الأوضاع التى قد لا تكن فى اعتبارك مستقبلا.
هناك وجهة نظر تقول إن مشاكل البطالة وارتفاع تكاليف الزواج وأزمة السكن، كلها تدفع إلى التساهل والتبسيط فى متطلبات الزواج، ومن أهم هذه المتطلبات الشقة، فهناك من ترى أنها من الممكن أن تعيش مع حماتها كحل مؤقت، بدلا من ألا تتزوج مطلقا، وهى وجهة نظر لها اعتبارها ومنطقيتها، لكنها ترجع أولا وأخيرا إلى العروس نفسها، وإلى سنها، وإلى مستواها الاجتماعى والمادى، وإلى مدى قبولها النفسى لذلك.
وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن حب ما قبل الزواج، مهما تخيل طرفاه أنه قوى، لن يصمد أمام المشاكل اليومية التى من الممكن أن تحدث بين الزوجة والحماة، وأمام الصعوبات المادية المتوقعة فى مستقبل أى شاب بسيط يبدأ بناء نفسه، وأنه م الآخر (إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من الشباك) كما يقولون.
قد يكون هذا الشاب جيد فعلا، ولا عيب فى أنه بسيط ماديا، وقد تكونين أنت تحبينه فعلا، وقد يكون هو أيضا يحبك بصدق، لكن الواقع الذى نختبره كل يوم يخبرنا بأن الحب وحده لا يكفى أحيانا، هذا إذا كنا على يقين من قوته ومدى صدقه حتى، فأنا أعطيكى رأيى بناء على ما استشفيته عنك من رسالتك، فمن الواضح أنك تربيتى تربية موسرة إلى حد كبير، وأن والديك يرون أنك تستحقين من هو أفضل من هذا الشاب بكل المعايير.
وهذا من حقهما بالمناسبة، لهذا أرى أنك لن تصمدين، وسيأتى عليكى حتما اليوم الذى ستندمين فيه على تلك الزيجة، خاصة بعد أن ترى الفارق بين مستوى معيشتك ومستوى معيشة صديقاتك وقريباتك، وما شجعنى على أن أقول لك هذا أنك بالفعل قد استطعتى اتخاذ قرار إنهاء هذا الارتباط، وأن معايير الواقع والعقل تغلبت على المشاعر لديكى، إذا أنت من الشخصيات التى لن تكتفى بالرومانسيات فقط ولن ترضى بذلك فى المستقبل.
ربما لو أرسلت لى أخرى برسالتك هذه لكنت قلت لها تزوجيه بكل قوه، لكن إذا كانت هذه الأخرى فى مستوى مقارب لهذا الشخص، أو أنها فى سن أكبر، أو فى حالة أن فرصها فى الارتباط أقل، أو حتى فى حالة أنها قالت لى مثلا أنها لا تتخيل الحياة بدون هذا الشخص.
لكن فى حالتك أنت أنا أرجح أن تبتعدى، وتتحملى ألم الفراق وعذاب الذكريات لفترة، واعتبرى أنك مررتى بتجربة غير موفقة لكى تتعلمى شيئا عن نفسك، وعن كيفية تفكيرك فى حياتك مستقبلا، أنت لا زلتى صغيرة ولديكى حياة كبيرة تعيشينها وتختبرينها، وأنا واثقة من أنك ستتعلمين الكثير فى المستقبل، والذى من شأنه أن يجعلك تعرفين أن التكافؤ والتقارب بين الزوجين من أهم ضمانات استقرار الزواج، وليست العاطفة فقط، ومن أدراكى لعلك تقابلين شخصا مناسبا أكثر فى يوم من الأيام؟
الكاتب: د. هبة يس
المصدر: موقع اليوم السابع